الأربعاء، 3 نوفمبر 2021

تلخيص مؤلف "ظاهرة الشعر الحديث" الفصل الثاني: الغربة والضياع

 


الفصل الثاني: الغربة والضياع

إذا كان المجاطي قد جعل الفصل الأول مدخلا لدراسة الشعر الحديث، فانه في الفصل الثاني قد باشر تحليل مظاهر من هذا الشعر، والأمر يتعلق بواحدة من التجارب التي استغرقت الشاعر الحديث، نقصد تجربة الغربة والضياع.

يؤكد المجاطي بأن نشأت الشعر العربي الحديث متصلة بواقعه، ومنفتحة على آفاق معرفية متنوعة، كما شكلت هزيمة 1967 مفاجأة صادمة للوجدان العربي وزلزالا هز مشاعره وأطاح به في دوامة التيه والريبة، فاستقر الشك في قلبه، ومن النتائج المباشرة لذلك ضعف سلطة الوجود العربي التقليدي، وانهيار الواقع العربي الذي زرع ؛ كما قلنا؛ الشك ي نفوس المثقفين والمبدعين، واسقط كل الوثوقيات العربية التقليدية والثوابت المقدسة والطابوهات الممنوعة. كما كان للاحتكاك بالثقافة الغربية الدور الكبير في انفتاح هذا الشعر على كل ما هو مستحدث في الخارج لتجديد آليات الكتابة والتعبير، بله عن التسلح بمجموعة من المعارف الفلسفية والاتجاهات النقدية الغربية من فلسفة وتاريخ وأساطير يونانية وعلوم إنسانية ومذاهب صوفية وتعاليم منحدرة من العقائد الهندية والفارسية، فشاعت بينهم قصص كافكا وأشعار إليوت وسيرة عنترة وأبي زيد الهلالي...

إن الشعر الذي أراده شعراء الشعر الحديث، لم يكن موجودا في سجلات الشعر العربي القديم، ولكنه كان في صورة الخيال، فهو شعر يكتشف من خلاله الشاعر العالم، وفعالية جوهرية تتصل بوضع الإنسان ومستقبله، بل انه يقتضي من صاحبه اتخاذ موقف من الكون والإنسان والحضارة، ويحتاج إلى روح المغامرة التي تطمح إلى تفسير العالم وتغييره، والمزج في فكره ووجدانه بين روح الثقافة العربية وبين الثقافات الأخرى، وفق رؤيا جديدة تمزق قشرة المجتمع العربي وتقف على مواطن التيه والضياع. ومن أهم الموضوعات التي نصادفها بكثرة في شعرنا العربي الحديث نلفي تجربة الغربة التي تتنوع في أشعار الحداثيين لتشمل الغربة في الكون والغربة في المدينة وفي الحب وفي الكلمة.

الغربة في الكون: تعني إحساس الشاعر الحديث بالوحدة والعزلة، الشيء الذي جعله يرسم للكون صورة قاتمة مثقلة بالظلمة والإحساس بالعبث، الشيء الذي يجعله كذلك يميل إلى الشك في الحقائق والميل إلى التفلسف الانطولوجي. كما نجد عند صلاح عبد الصبور في قوله:

يكفيك أن تعيش في المتاه

منهزما، اخرس، كالمسمار.

وفي نصوص بدر شاكر السياب وأدونيس ويوسف الخال...

 الغربة في المدينة: فتتجلى في مختلف التحولات التي مست المدينة العربية في معمارها ونسق قيمها جعلت الشاعر يشعر بان الهوة تزداد بينه وبينها، خاصة وأنها فقدت الحياة، وأصبح الموت يدب في كل شارع من شوارعها.وهكذا أصبحت المدينة عند الشاعر العربي مكانا مخيفا، لا آمان فيه ولا حب، بل إن هذه المدينة شيأت الإنسان وحنطته. فالمدينة عند عبد المعطي الحجازي مدينة بلا قلب ولا روح:

رسوت في مدينة من الزجاج والحجر

الصيف فيها خالد، ما بعده فصول

بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها على اثر.

 والملاحظ أن الشعراء الحداثيين لم يستطيعوا الهروب إلى الريف أو إلى عالم الغاب كما فعل شعراء التيار الوجداني، بل فكر السياب أن يهرب إلى قريته جيكور في الكثير من جيكوراته، ولكنه وجد أن المدينة تحاصره في أي مكان وتطوقه بأشطانها المادية، كما لم يجد صلاح عبد الصبور أيضا سوى أن يجسد الخلاص في الموت كما في قصيدة الخروج.

وإذا كان الشاعر الحديث قد فشل في فهم أسرار الكون ووجوده وفشل كذلك في التأقلم مع المدينة، فانه كذلك فشل في تحقيق سكينة نفسه عن طريق الحب، فشل في معرفة كنه جسد المرأة، فتحول الحب إلى عداوة، إذ لم تخلص المرأة الرجل من عذاباته الكثيرة، ومثال ذلك قول خليل حاوي:

وكيف أصبحنا عدوين،

وجسم واحد يضمنا، نفاق

كل يعاني سجنه، جحيمه

في غمرة العناق.

الغربة في الكلمة:

وقد امتدت الغربة لتطال كذلك الكلمة التي كان يعتبرها الشاعر سيفه المسلط في وجه الأعداء، لكنها فقدت هذا الامتياز، ولم تعد هي الأخرى قادرة على ردم الفجوة بين الشاعر والعالم من حوله. ففداحة الواقع وخراب الذات حول الكلمة إلى سيف خشبي أو إلى حجر كما يؤكد ذلك ادونيس:

لغتي تنوء كأن فوق حروفها حجر وطين

فبأي جانحة أطوف، بأي موج استعين؟

وعلى العموم فقد حاول الشعراء الحداثييون المزج بين هذه الأنواع على نحو ما نجد في قصيدة " في الطريق " لإبراهيم أبو سنة، حيث مزج بين الغربة في الحب والغربة في المدينة، أو مثلما فعل صلاح عبد الصبور في قصيدته: " أغنية الشتاء" حيث مزج بين الغربة في المدينة وفي الكلمة، وهناك من مزج بين هذه الألوان جميعها، كما الحال عند البياتي في قصيدته: " فارس النحاس ".

الغربة في الحب:

فشل الشاعر الحديث في تحقيق السكينة في الحب يقول المجاطي:

كيف أصبحنا عدويين 

وجسم واحد يضمنا نفاق

وتجربة الضياع والتمزق النفسي والاضطراب الداخلي، من أهم الموضوعات التي تناولها الشاعر الحديث، متأثرا بذلك بمجموعة من أعمال بعض الشعراء الغربيين، خاصة إليوت في قصيدته: "الأرض والخراب"، وبعينة من الروائيين الوجدودين كألبير كامو، وجان بول سارتر، وبعض النقاد الذين أشاعت كتاباتهم موجة القلق والسام والضجر. بالإضافة إلى عامل المعرفة الذي تحول عند الشعراء إلى أسئلة مرهقة،" تقود الذات إلى اتخاذ مواقف صارمة من نفسها ومن المجتمع والكون."ص: 65. وكل هذا جعل الشاعر الحديث يعاني من الملل والسام والضجر واللامبالاة والقلق، وبدأ يعزف أنغاما حزينة تترجم سمفونية الضياع والتيه والاغتراب والانهيار النفسي والتآكل الذاتي والذوبان الوجودي بسبب تردي القيم الإنسانية وانحطاط المجتمع العربي.

ليست هناك تعليقات :

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونة عبد الواحد البرجي