إن الشاعرة ليلى مهيدرة،
في علاقتها بالأدب نورس من النوارس التي لا تهدأ تتهادى في سماء الصويرة، فالشاعرة
مهووسة بجمال المكان وسحره، وتتقاسم حياتها مع حيوات تطفو أدبا، سواء من حيث طابعه
الدرامي أو الاستطيقي، لذا أجدها تحمل هموم الخليين والعزل المتعبين والسائرين بلا
مأوى والضالين في الفلاة... تلكم هي الشاعرة ليلى مهدرة التي أبت إلا أن تقاسم بشعرها الشعب
الفلسطيني قرفه وهمومه بل وهوس سعادته أيضا؛ فرؤيا الشاعرة للعالم من حولها،
ليست حبيسة ما هو كائن بل تتعداه إلى هو ممكن. وهو الأمر الذي يجعلها تناوئ
كل شعور وفكر يقيد حريتها.
فالشاعرة في بعض
قصائدها تهيم في جو مأسوي منبعث من وصفها لحالة الشعب الفلسطيني الجريح، لكنها
فجأة تتحول إلى عالم تتجدد فيه الحياة وتتلاشى فيه أغصان الحزن وتخبو حلكته. و
الشاعرة بهذا التحول متمسكة بحبل الأمل الذي يحجب وراءه اليأس، وفي نفس الآن، فذات
الشاعرة تتقن فن المسافة؛ فلا هي تدنو بسرعة من اليأس، فتفقد الحياة، ولا هي
تغازل الأمل، فيتحول الموت إلى شبع نزق.
في سياق هذه الموضوعات يأتي ديوان "هوس
الحزن " ليترجم الهوس الذي يسكن الشاعرة ساعة اليقظة ولحظة الحلم،
وهو ديوان يضم بين دفتيه تسع وأربعين قصيدة أولها قصيدة "ناجي العلي "
وآخرها "امرأة فقدت ذاكرتها "، وعلى الرغم من ذلك فكل القصيد في هذا
الديوان اتسق وانسجم ليعكس رؤيا الشاعرة المتجددة للوجود؛ وهي رؤيا لا
تحاكي الأشياء على حقيقتها، بل تتجاوز ذلك إلى استنطاق أعماقها المتوارية.
وتكشف قصائد
الديوان ـ كما أشرنا آنفا ــ عن ارتباطها بموضوعات متعددة من قبيل
الحب والاشتياق، التيه والشتت، الأمل واليأس؛ وهذه التيمة الأخيرة يمكن
القول إنها تسير في منحنيات أو خطوط متباينة :
• خط
العزلة :
تحضر العزلة هنا ليس
بمعنى الانغلاق السلبي، الذي يرتبط بالاستسلام والخنوع، وإنما بمعنى آخر، فهي عزلة
الرافض للأشياء الضالة والأحاسيس الضبابية، ونحن نلمس هذا في قول الشاعرة:
(دعني أدير ظهري لكي لا
أبصر الشامتين في قدري)، (سألف يدي وأربطها وراء ظهري حتى لا تمتد للسلام على أحد
عنوة )، 1
خط الأسى :
الأسى جسر تعبره معظم
قصائد الديوان لذا فهو مبعث الأمل حينا، وموطن اليأس أحيانا أخرى، و توظيف المعجم
الشعري بهذه الازدواجية في المعنى مرتبط بهوس الأحلام التي تجوب ذهن الشاعرة، أحلام
تؤمن بالتحول وترفض الكمون، وتحمل معها حياة تنبض رغم الأوجاع التي تصدأ في كيان
الأنام الذين يذبلون مثل وردة شاخت، فلم تعد قادرة على الحياة، وهذا يبِين في قول
الشاعرة :
نزف جرح
في الهوى أبكيه ويبكيني
وأقول كفى حزنا ويقول
يكفيني "2
وفي قولها :
أنا نجمة انطفأ نورها
واندحرت في ليل فان
كالزمان الفني
كزماني 3
·
خط الأمل :
الأمل ظلّ يغازل بعض
قصائد الديوان، إن بشكل صريح داخل المكتوب أو بشكل ضمني داخل اللامكتوب؛ إذ
لا غرو أن نجد الشاعرة في قصيدة " ليلة يأس " تصوغ جملة من الأسئلة غير
الحقيقية والمزورة عن معناها الأصلي لتنعم داخل ثوب الرجاء والتمني :
من يحمل عني كيسي ؟
ومن يحمل عني عرسي؟ 4
تبدو الشاعرة متعبة، تريد
أن تبرأ من كل شيء ، لكنها تظل تنادي الأمل "المدفون في أرباب الكهوف "
وتحت أكواخ تكومت بداخلها " ذلك الأمل الذي الذي يسير برّاقشيّا بين القصيد، ففي
قصيدة "اغربي يا شمسي اغربي " تركب الشاعرة القدر وتستسلم لحالها
عسى أن ترقب نفسها بالأمل، أما في قصيدة "إلى طائري المهاجر " فتفسح
لطائر الحرية حدود الكون ومسافات الزمن لكي ينتقل متى شاء وإلى أين يشاء، لأن في
رحيله إحساس بأن الكون لازل فيه أمل.
1/الديوان : ص، 7
2/الديوان :ص، 75
3/ الديوان :ص، 69
4/ الديوان، ص، 69