"صدقُ روحٍ" بقلم نادية الأنصاري.
☆☆☆☆☆
... لا كلا ما كان يشبهها و لا كان فيها منه شيء، و لا انحنى لها قلبه و لا حنى و لا حن، و لا دنا و لا جن... و هانت عليه كما هان عليها، و بانت عليه كما بان عليها، و صرمت حبال الوصل الروحي كما صرم، و تنكرت كما تنكر... فلا ذرفت دمعا بعد لحظة بوحها الغبية تلك التي حاكتها خيوط الشجاعة و الجرأة و القوة و الضعف و الخذلان... ليخذلها إحساسها و تتنكر لها روحها و ترديها ضحية شعور حيرها لم تعرف ما تسميه أوهم هو أم حقيقة...؟! راحت إليه لتستجدي اسما لذاك الإحساس الذي انتباها أو همت به أو جال ببلاط فكرها... فلفظها كما يلفظ الرجل المرأة في آخر لقاء شبقي عابر و يمضي إلى أخرى، و لفظته كما تلفظ الحامل جنينها من رجل لا وثاقا شرعيا يجمعهما... مضيا يسحق كل منهما الأفكار في صمت، يلعنان الذكرى و الوصل و القوة و الضعف... راحت تتأنق و تتجمل لرجل سيأتي غيره خيرا منه من دون أن تلقي بالا للألم الذي قد يحرق ضلوع الذكرى و براءة الروح و لو لثوان، كانت كلما همت بالحديث عن الألم أو استشعاره تلفظه و تركله ليلحق بصاحبه حيث حل... و تغذي الفكر بين صحون الكتب و الكورسات و الأهداف التي صارت هوسها... و باتت تخون ذكراه كل ثانية بين ضحكات تتعالى و بسمات تتالى و تطلعات تتهادى و أمل يتجدد و نجاح في الأفق يتأكد ...و ركض قلوب رجال و وقوفهم على أعتاب بلاطها تتمايل من خمر فتنتها و عبقريتها و بساطتها و لون عينيها و حكايات ذات البريق الذي يلمع في نرجستيها... و براءتها و رزانتها و اكتمال بدر الأمومة في دفء حضنها و الصفات التي تنقص و تتم في شطآن النساء اللذيذات المغريات للحب للبراءة للأسرة لكل شيء طيب شهي كوجبة غذائية روحية نفسية... فريدة... كانت لا تستطيع أن تمنح لأحدهم أملا ... يبتدؤون بعروض الود فتفكر بعقلها و تنهيها كما أنهت بدايتها معه في ظل شجرة اعتراف عقيمة لم تثمر غير البين... كان الاعتراف كراية تعلن بها عن انتهاءها معه، فأحيانا يعبر المرء للآخر بما يخطر له أنه شعر به تجاهه لينتهي من الحيرة و يتأكد له عكس ما قال، و كأنه يحمل له وديعة ترهقه يودعه إياها ليرحل مرتاح الضمير و البال... لم تحمل بعد بين جوانحها ألما و لا حرقة على غير عادتها، حتى حفلات الشواء التي من الطبيعي جدا أن تقام بدواخلها جراء قسوته و تسلطه و لامسؤوليته هوسه بالسرر و نحور و ظهور النساء... حولتها إلى حفلات غضب من روحها البريئة و عتاب صارخة في وجه نفسها: لا أريد أن أسمع صوته بداخلي، و لا ذكراه في مقلتي و لا عطره بين خصلات شعري، و لا دمعة له عندي و لا ترحما على روحه التي دفنتها في قبوه الذي دلها عليه...دفنته في قبو كان يستجدي أن يسحبها إليه قبو مظلم لا نور فيه إلا آهات النساء العابرات في سريره... و هي لا تعرف إلا النور و لا تستطيع أن تتنفس الأوكسيجين و الحب و الأمل و الطموح إلا في النور... لا تعنيها اللحظات التي تعنيه و يتلذذ على دقائقها و ثوانيها... ظنت أنها أحبته و في حوار صريح بينها و بين نفسها لم تعد باستطاعتها الحب بشكل بارد عادي كما سولت لها نفسها معه أو كما توهمت... إنها تريد روحا تشبهها روحا تقلب كيانها تستولي على عقلها تتحدى و تنهي كل تمنعها و تنصب فخا لذيذا لقلبها و تطير به إلى الحرية إلى النور الذي يتسلل إليها من السماء، إلى الحب الحقيقي الذي لا تنهيه الجراحات و لا تضعفه المسافات و لا تبدله العواصف و البراكين و الزلزالات... الحب الحقيقي الذي ينضوي تحت راية الهناء و اللذة المريحة الحلال... لا الوهم الذي يغذيه الغباء و القسوة و التحدي العقيم بين رجل ضعيف غارق في وهم الفحولة و سراب الشبقية و امرأة تكوي الحديد بنيران عقلها و روحها الصادقة و تحرق قلبه بقوتها و ضعفها و تجعله يرسم ارتفاع تضاريسها بين يديه و تعد روحه العليلة أنها ستزوره و سينعم بها و لا تأتي و لن تأتي فيجمع كل ما أعد لحفلة سرابية و يكسر الكؤوس و يحرق الفستان الذي اقتناه على شرف نهديها و لا تأتي ... و يستلقي مسلما فكره للقسوة للنسيان ... و ماذا سينسى لا شيء يستحق و لا هو يستحق و لكنها تستحق كل الورود و العطور لأجل الخمر الذي في شفتيها، لأجل الروح البريئة التي بين جنبيها، لأجل الثرثرة العذبة التي تكمل نقصها، لأجل الدفء و الحرارة التي في جوفها و في حضنها و بين خصلات شعرها السارح الحريري الذي طالما تحاكى به كل ذويها و من حولها و ضربوا به الأمثال حتى صارت من عاداتها قصه كلما ختمت بداية لتطيله من جديد ... غير أنها هذه المرة لم تقص شيئا من شعرها... فبدايته و نهايته لا تستحق شيئا... لا تجاهل و لا قص شعر و لا ألم و لا اهتمام و لا حالة بين بين... إلا تسريح و هروب...
يتبع
