الخميس، 30 يناير 2020

مسابقة في القصة والشعر والرسم ومجالات أخرى موجهة للتلاميذ والتلميذات

التفاصيل في الملصق





السبت، 25 يناير 2020

" الثكنة رقم 4 " المبدع مصطفى الخراز

     

 

 

الثكنة رقم 4

       داخل الثكنة رقم 4 في الصباح الباكر من كل يوم، تنطلق المدرعات خارج الثكنة في اتجاه ساحة المعركة، كان الجو أشبه بموسم الحصاد، غبار وحرارة وملل ورغبة عارمة في الهروب إلى المجهول. فكان الصبر حليف الجنود في الحرب، كانت مهمتي آنذاك، مراقبة وصيانة المدرعات قبل خروجها من الثكنة، وفي إحدى أيام الهيجاء، وصلت مدرعة لم يبق فيها إلا الإطار الخارجي، انقلبت مرتين... وأنا أبحث فيها وجدت رسالة ملطخة بدماء جندي صغير السن، كان قبل مجيئه للحرب استقبل رسالة من خطيبته، تأكد له فيها مقدار الحب الذي تحبه، والوفاء الذي تكنه له. أخبرته أنها بدأت تستعد للزواج بعد عودته من الحرب، وأنها أعطت الخياط مقاس ثوب الزفاف الأبيض، لكن للأسف ستلبس الأبيض عند سماع نبإ مقتل خطيبها في الحرب. هكذا هو الحب المفقود في ساحة الحرب.

مصطفى الغراز، زاكورة

الخميس، 23 يناير 2020

الشاعر مصطفى الخراز يكتب: " وقت الرجوع" ، "في تغبالت"، "حين تكلم الغزال"

 



حين تكلم الغزال

أكرم سيدي بما لك وبمالك.
أهمس في أعين الأنثى...
لا في أذنيها، لكي تسمعك!
فحين تكلم الغزال في صحرائه
أمطر الأرجاء زهرا مختلفا لونه.
منه ما سما في سماء فنزل
ومنه ما وسم سمة العبور، إلى الهنا...
إلى الجهة اليسرى، ذاك مربط العشاق.
نزل بردا لا سلاما، أحرق هياكل الثكالى.
أنظر في مقلتي غزال مصاب بالذهول
وسترى حربا واضحة بين غالب ومغلوب
ستبصر كل أحلامك بين يدي غزال طائش.
حين تكلم أشعل حربا بين فريقين.
فانتصر الذين أطالو النظرة لسنوات...
وانهزم المسرعون المتلعثمون خجلا

وقت الرجوع
 يأسرني هذا الغياب، هذا الضباب. 
يجعلني محط بقايا الحنين. 
يدفن أحلاما يافعة، ضائعة. 
حان وقت الرجوع... إ
لى الدفء العائلي الأسري الأزلي. 
حينما كنا نقابل أسوار الجامعة.
 نردد هتافات البوح جهرا، مكرا... 
حينما كنا نعبر وادي الطيور شغفا. 
نأخذ صور الذكرى بلا ذكرى...
نتسلق جبل " أوفلا " هروبا من الساحل
 نفتش عن بقايا ذاكراتنا بين الأحياء السكنية.
 فأجدها هنا ضائعة بين النخيل، شاردة... 
وفي الهناك تلهو بين كتبان رملية، باردة... 
حيث لا رجوع، ولا خضوع. 


في تغبالت 

يمتزج الصباح بالليل فتوشك الشمس على الهروب.
 إلى الهناك، إلى المنفى. 
حيث الرمال تغرق الموتى.
 ترهق الأحياء، الأقوياء... 
لا ثعلب يتثعلب أو يرغب. 
لا كلاب سوداء ولا بيضاء. 
لا هدهد يتهدهد أو يتلذذ. 
لا نسر يمثل دور الضحية... 
لا غزال يتغزل أو يتمايل.
 ليس هناك سوى قط يتقطقط يتغزل ويتهدهد ويتلذذ ويتثعلب.
 سوى فراشة بنية اللون. 
تلخص قساوة الرغد وبراءة الحنين.
 سوى بومة خجولة على أسطح المنازل.
 تراقب عن كثب، عن قرب، كل عجب. 
ليس هناك سوى منعرج تاغوليت...
 يشهد على كل ألوان المآسي والحسرات.
 ليس في تغبالت، سوى نخل شامخ. 
أرهقه الوقوف، فافترش الرمال.
 يودعنا كل حين، ينتحر من الداخل. 
يصور لنا حال اليوم، ومرارة الأمس.


مصطفى الخراز شاعر من قصبة المخزن، زكورة

السبت، 18 يناير 2020

"الجسر" قصة قصيرة بقلم القاصة الزهراء وزّيكٌ








الجسر

سارت بي الحافلة تقطع الشريط الساحلي، إنها الطريق نفسها التي عبرتها منذ اثنتي عشرة سنة نحو المدينة، كانت رائحة البحر تخترق أنفي وبدا لي موج البحر غاضبا يلقي بزبده على الصخور وعلى صدري المنقبض، فشعرت وكأنني أجر بقيود وأغلال تشدني من رقبتي لأعود إلى مسقط رأسي، الى موطن بؤسي، توقفت الحافلة عند طريق منحرف يؤدي إلى إحدى القرى المجاورة، تملكتني الرغبة في مغادرة مقعدي، فتوجهت نحو بابها ونزلت دون شعور مع النازلين...
أحسست بدوار وقدماي تطآن الأرض.. لاح لي الجسر من بعيد، الجسر نفسه الذي عبرته صغيرا مئات المرات.. تمر الذكريات أمام عيني كشريط بالأبيض والأسود، لا أستطيع تذكر ألوانه، نظرت مليا الى جانب الجسر نحو الأسفل، أحسست بأن الزمان قد عاد بي إلى الماضي والذكريات تمر أمامي فتبدو لي، كما كانت تمر الأقدام أمام عيني، وتتلقف عيناي الأجود منها.. و الأجود هي تلك القدم ذات الحذاء الأسود الذي يعلوه غبار طفيف، ويحتاج الى تلميع، فأشد على ممسحة الأحذية أدق الصندوق الخشبي لعل قدما من هاته الأقدام تتوقف لتتوجه نحو الممسحة، تستجديها ولكن دون جدوى .
كنت غالبا ما أقضي اليوم كله أو جله متكئا على جدار المؤسسة البنكية التي تستولي على جانب مهم من الساحة التي كانت قديما تسمى "ساحة التحرير" فأصبحت ساحة تخترقها عمارات ومؤسسات ضخمة.. كنت أتوجه صباحا باكرا قبل ان تستيقظ أمي، أقطع مسافة طويلة راكضا، أقطع الجسر الذي يفصل المدينة عن أحيائنا المنسية خارجها، خوفا من أن يعترض طريقي أحد المتشردين الذين يأوون تحت الجسر  .
كم كنت أستعجل مرور أحد الموظفين الوجهاء حتى أتمكن من مسح حذائه قبل أن يلتحق بعمله، فيجود علي ببعض الجنيهات، اقتني بها رغيفا لأمي المريضة، لقد تركتها طريحة الفراش منذ يومين، لا أعلم ما بها، ولكن ذاك السعال الحاد، يخترق صدري فيمزقه إربا إربا ...
أقضي الليل أتقلب في فراشي، بين تهيؤات مقيتة تخيفني من الجسر العالق بين المدينة وحينا .. فتوقعني في دوامة الرعب والخوف من المجهول، أنا وحيد أمي، أمي التي أفنت عمرها من أجل أن تراني في سن السادسة عشرة، وها أنذا لم أبلغها بعد، وانتظر أبي الذي أخبرتني عنه أنه غادرنا من قبل ولادتي، الى أحضان امرأة اخرى ومدينة أخرى، ولكن من نبرة صوتها يبدو انه يستحيل أن يعود...
غادرت الصفوف الدراسية الاولى لأعيل أمي، ولو ببعض الطعام، لأنها لا تقوى على تحمل مصاريف تعليمي .. كان هذا الصندوق الخشبي لمسح الأحذية هو المنقذ الوحيد الذي وجدته أمامي، لا أدري من تركه بهذا الكوخ الذي نقطنه، حتى أمي تقول دوما أنها لا تعلم عنه شيئا أو أنها لم تشأ إخباري سره الدفين.
عدت من المدينة يوما ببعض الخبز وعلبة حليب، و عبرت الجسر راكضا يتملكني الرعب منه، كان سعالها يخترق ألواح الكوخ التي كانت تشد جوانبه حتى لا ينهار بفعل رياح المحيط التي تشتد في الخريف، وجدتها مكومة في غطاء خفيف وقد ارتمت على حصير قديم، القيت بما أحمله جانبا، واستلقيت إلى جانبها أبحث عنها وسط هذا السعال، محاولا أن أمسك بيديها وبصعوبة تحدثت حديثا متقطعا وصدرها ينتفض بقوة :
-         لا تخف يا بني، أنا معك، إنها نزلة برد خفيفة أصابت صدري سوف أتعافى وأعود كما كنت.. لا تجزع.. فكم مر علينا من أيام قاسية، كنت لي فيها انت النور الذي أتمسك به في هذه الحياة لقد عشت وحيدة، منذ أن غادرت قرية أهلي صغيرة في الثامنة من عمري، رافضة أن يزوجني أبي من رجل عجوز، فوجدت نفسي في المدينة أتنقل بين بيوت الوجهاء وأرزح تحت أقدامهم، فذقت ألوان العذاب، عشت ايام القهر والضيم، انظر الى جسدي يا بني، لن تتصور مدى الآلام التي ذاقها، ومدى مرارة الأيام التي عشتها بعد أن تركت العمل في البيوت لأعمل في مقهى، ضحك علي صاحبه فتزوجني غصبا صبرت خلالها عليه وعلى نزواته وظلم أولاده.. وبعد شهور من وفاته رماني أولاده في الشارع دون أن آخذ حقوقي، بل هددوني بالتخلص مني. لم أجد من يعيلني وسط تلك المدينة الغول بعد أن تبرأ مني والدي وتنكر لي أهل قبيلتي، لأنني أتيت فعلا شنيعا في عرفهم، فلم أجد بدا من اللجوء إلى هذه المنطقة المنسية فاتخذت لي هذا الكوخ مسكنا، وجدت لي عملا في معمل بالضواحي، وفيه عملت في تصبير السمك لساعات طويلة واقفة على قدمي أمام حزام متحرك.
الى أن جاء ذاك اليوم، صباح يوم خريفي، وأنا أعبر الجسر كعادتي، سمعت بكاء طفل رضيع، توجهت نحو مصدره .... كنت أنت ملفوفا في ملاءة صغيرة خفيفة، بين جدار الجسر وهذا الصندوق الخشبي لمسح الأحذية، يرد عنك الريح الباردة.. حملتك بين يدي وضممتك الى صدري وكأنني عثرت على نفسي وعلى أهلي وحياتي كلها، عدت بك الى كوخنا الذي ضمنا، فكنت أملي ونوري وحياتي .
ما أن اكملت أمي كلامها، حتى انتبهت الى أن السعال قد توقف عندما أمسكت بيدها اليسرى، وأنها استردت بعض قوتها وزالت تلك الصفرة التي كانت تعلو وجهها واستحالت حمرة وردية تعلو خديها، فتجمدت في مكاني مصعوقا من هول خبر أنني طفل لقيط من تحت الجسر، ومن يدها الممدودة نحوي تعلوها قطرات دم حمراء داكنة أتبعتها زفرة سريعة وتوقف صدرها عن الانتفاض الى الأبد ...
كانت هذه المشاهد من الشريط كافية لأن أعود أدراجي تاركا الجسر خلفي .
القاصة الزهراء وزّيكٌ
جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونة عبد الواحد البرجي