الأحد، 24 يناير 2016

ليسقط الجدار


لوحة أولى
لم يجالسها كثيرا، غير أنه في هذا اليوم مكث أمام الشاشة ساعتين كطفل يلعب بالتراب، وشدة السُهام تلحف جسمه الفتيّ، صورٌ كثيرة تناثرت أمام عينيه، أحيانا يلمحها صورا عادية وأحيانا مقعرة، وغير عابئ بوهم الصور وزيفها قرر أن يصعد إلى قمة جبل كليز، أخذ بحوزته قلم الأبنوس المفضل لديه وأوراقا بيضاء وصار يذرع الطريق إلى أن وصل قمة الجبل، ودون أن يريح جسده المتآكل من وعثاء التسلق، أدار ظهره للمدينة و نصب أمامه عودا مسطحا وتبث عليه لوحته الأولى، وشرع في رسم كاهن متقدم في السن، يجلس على أريكة مرمرية، يرتدي ثوبا حريريا مصلّب الأكمام والظهر والصدر، وعلى رأسه يوجد تاج مذهب، ويمسك مسبحة تنفلت من بين يديه خرزُاتها كما تنفلت من بين شفتيه تراتيل لاهوتية. يبدو غارقا في التأمل كما يحيل على ذلك عبثه بلحيته المنسدلة على عنقه...  توقف علي السَّامي عن الرسم وتأمل لوحته مليا، كان يتوسطها جدار أشبه بالسور العظيم، لم يرقه الجدار كثيرا فعدل هيئته وسحنته وجعل من خلفه أفراخا تزقّ ودمى تئنُّوكتب عليه باللون الأحمر جدار العزل العنصري.
لوحة ثانية
أخذ لوحة ثانية ووضعها مكان اللوحة الأولى، وقبل أن يشرع في الرسم تخيل أمامه شابين يسيران على الشاطئ، خارقين في أحلام الصّبا، وزرقة البحر تمتزج بسمفونية العناق، وغير بعيد عنهما يوجد طفل يقارب الخطو ويترصد فرصته ليبيع وردة حمراء للعاشقين اللذين تجاوزا تبادل الزهور إلى تبادل القبل... ولما أراد علي السامي أن يرسم ذلك على لوحتهوجد قلم الأبنوس مثلوما، فمزق لوحته ثانية وراح يفركها بيديه المتعبتين، وصورة شاب منزوع اليدين، ماسكا قلمه بشفتين سوداوين ليتعلم الرسم في العراء تتراءى له أما ناظريه...
لوحة ثالثة
لم يفكر  كثيرا فيما سيرسم ولكنه شرع في الرسم، من وسط اللوحة خط جدارا إسمنتيا يمتد طولا على مساحة لم يتسع لها حجم اللوحة ويرتفع نحو الأعلى لبضع مترات، مكتوب على ظهره بلون أسود عبارة "حاجز أمني؟ " وعلى وجهه دونت بعناية وبخط أحمر عبارة "الفصل العنصري"، وبجانب الجدار اجتمع أطفال ينتظرون أن يسقط الجدار ومن خلفهم نساء يزغردن كلما سقط أحد الصغار برصاص قادم من خلف ذاك الجدار، وفي أسفل اللوحة رسم على السامي جدارا آخر سمكينا تهاوى لوحده أو ربما أكلت أسّه الأرضة، وبالقرب منه نساء يزغردن لا لاستشهاد طفل وإنما لسقوط الجدار الذي فضح حارسه مُوشي حينما تملكه الفزع وانطلق هاربا نحو اللامكان، هكذا عانق علي الهواء مزهوا وهو يصرخ بأعلى صوته " ليسقط الجدار..."


عبد الواحد البرجي

ليست هناك تعليقات :

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونة عبد الواحد البرجي