أحلام في الطابور بلقم الباتول صمود
كان يقف ممسكا صحنا من القصدير بيديه الصغيرتين ينتظر دوره للحصول على القليل من الطعام، و بينما كان منغمسا في أفكاره حطت على صحنه فراشة برتقالية اللون، أخذ ينظر إليها بعينين هادئتين و يتساءل كيف لفراشة أن تكون في ذلك المكان بعد الخراب الذي أحدثه العدو فيه، وبينما هو يطالعها بتركيز شديد سمعها تقول :
- أنت، لماذا تنظر إلي بهذه الغرابة؟
أصيب بالدهشة، و لوهلة خيل إليه أنه يتخيل.. حتى سمعها تقول مرة اخرى :
-ما بك ؟ هل أدهشتك ؟ أنا أستطيع الكلام مثلك تماما واستطيع فعل أشياء أخرى كتحقيق كل ما تتمنى في هذه اللحظة.
تمتم بكلام غير مفهوم من أثر الصدمة ، فعاودت الحديث مرة أخرى:
-اطلب ما شئت سأحققه لك حالا .
لم يستوعب عقله ما يحدث معه ولكن عندما سمع أنها تستطيع تحقيق كل ما يتمنى فقال :
- أي شيء أريده ؟
ردت تؤكد كلامها :
- نعم أي شيء .
ابتسم ببراءة ظاهرة وقال :
- أريد أن يقضى على العدو و لا تبقى حتى رائحته في أرضنا، أريد ان يعود أبي للحياة ، أريد أن ترجع مدينتنا كما كانت بمنازلها المزخرفة الجميلة و الجيران و أبناء الجيران الذين كنت ألعب معهم وبعد استشهادهم وجدت نفسي وحيدا ، أريد أن نحتفل بالعيد فرحين مبتهجين كالأطفال العاديين ، أريد أن...
وما كاد ينهي جملته حتى سمع صوتا يناديه و يقول :
-هيه يا بني لقد حان دورك ، لقد كنت أناديك ولكنك لم تسمعني، لم يتبق في هذا الطابور سوى أنت و أنا من ورائك، هيا اذهب.
استيقظ من تخيلاته على إثر صوت الرجل الكهل، نظر نحو الصحن ولم يلمح أثر الفراشة، تنهد تنهيدة طويلة توحي بالكثير ، مشى إلى حيث موضع الأكل ، وعندما وصل وجد صحونا كبيرة فارغة وقال له الشاب المشرف على الطعام :
- آسف يا صاحبي لقد انتهى الطعام لأن عدد الناس كان كثيرا ، لكن سمعت أنه يفرقون الطعام في الجهة الآخر من الحي .
التفت للرجل العجوز بيدين فارغتين و عينين منكسرتين ، فهم الرجل أنه لم يعد هناك طعام لكليهما.
ليست هناك تعليقات :
اضافة تعليق