السبت، 25 فبراير 2017

عبد الصادق السراوي، الفائز بجائزة القصة القصيرة للدورة الثالثة لملتقى "مبدعون قادمون" يكتب "لحظة صمت"



لحظة صمت:

اجتمع الصبيان أمام شاشة التلفاز والسرور يعلو محياهم ليشاهدون سلسلتهم الفكاهية المفضلة كعادتهم هذه الأيام الخالية من هموم الدراسة، يضحكون فيما بينهم وعيونهم غائبة في شاشة التلفاز وكيانهم منخرط فيما يشاهدونه، يلتحمون فيما بينهم بكل حميمية وينسون حسابات وصراعات النهار التي تنشب فيما بينهم في الحقل وفي المنزل وفي الزقاق. يرفضون طلبات الأم والجدة ويؤجلونها ريثما تنتهي السلسلة.
يتحمل الجد والجدة وكل أفراد العائلة قهقهات الصبيان ومشاكستهم بعبء ثقيل طوال مدة هذه السلسلة. وحالما تنتهي السلسلة يفر الصبيان من حول التلفاز والكبار يتنفسون الصعداء.
بعد الفاصل الإشهاري الذي يغري بعض الصبيان وليس كلهم هذه المرة، تأتي نشرة الأخبار فيتنحى الصبيان إلى الجانب وينشغلون بالتعليق عن أحداث الحلقة في صخب ويفترضون أحداث الحلقة المقبلة. هنا يأتي دور الجد الذي يتكوم في سلهامه الصوفي، في ركن المراح فيصرخ في وجوه الصبيان بلكنته الخشنة: "سْكْتُونَا الله إِعْطِيكُمْ السَّاكْتَة آمِينْ أَيَمِينْ". يتجمد الصبيان في أماكنهم ويعم الصمت المكان، وأذنا الجد وأفراد العائلة صاغية إلى المذيّع وهو يتلو عليهم تفاصيل نشرة الأخبار. وبعد كل التفاصيل، تأتي اللحظة التي ينتظرها الجميع بصبر ولهفة، يعدل المذيع في جلسته ويخطب: "تنهي وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية – بعد مراقبتها لرؤية الهلال-  أن أول شهر رمضان المعظم هو غدا الخميس، وبذلك يكون شهر شعبان قد استوفى الثلاثين يوما". أنهى المذيع نشرته متمنيا الصحة والعافية للمشاهدين. وهتف الصبيان في فرح وسرور وِييي وِييي، فطالما انتظروا دخول رمضان ليجتمعوا على المائدة بكل حرية دون سلطة الجد، ويستمتعو بكل الطعام الذي يفضل عن السحور. يطفئ العم التلفاز، ينطفئ صراخ الصبيان، يطلب الجد من النسوة إحضار العشاء ويأمرهم بالبكور إلى السحور.

القاص عبد الصادق السراوي.





ليست هناك تعليقات :

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2016 مدونة عبد الواحد البرجي